• صفحة 1 من%
  • 1
مشرف المنتدى: سامي  
منتديات حاسي بحبح » ┘───[القسم البيداغوجي و التربوي] » فهـــرس الأعـــلام » إميل دوركايم
إميل دوركايم
الإثنين, 2013-06-10, 2:10 AM   رسالة # 1

جوائز : 2  +


معلومات العضو
 إنتسبت في المنتدى:2012-11-23
  رقم العضوية  : 2
أقيم في : الجزائر
 عدد المشاركات : 395
 أنـا ذكر
 نقاطي :  ±
 
إميل دوركايم 1858 – 1917م

الرجل والظروف.
عاش الرجل في الفترة ما بين 1858 – 1917م. وهو يعد من أوائل الفرنسيين في علم الاجتماع الذين ساروا في طريق العمل الأكاديمي، أثر تطلعه هذا في نشطه وأفكاره، فقدر له أن يواجه ظروفا مرتبطة بالعمل الجامعي عكس سابقيه، ابن خلدون وأوجست كونت، وماركس، الذين كانوا رجال فكر، ورجال حياة عامة. ولد دروكايم في إبينال باللورين، المقاطعة الفرنسية الشرقية. وأتى ميلاده لأب من الحاخامات اليهود، الذي أراد لابنه أن يسير على نهج الأسرة، بأن يصبح رجل دين. وقد أراد الابن لنفسه هذا أيضا، ومن ثم درس العبرية وقرأ كتاب العهد القديم، والتلمود الذي يحوي تعاليم الأحبار الربانيين الموسويين. وفي الوقت نفسه درس العلوم العلمانية وسار في التعليم الحكومي. وبعد محاولتين فاشلتين تم قبوله بالمدرسة العليا سنة 1879م. وفيها التقى بعدد من الرجال الذين تركوا آثارا واضحة على الحياة الفكرية في فرنسا، من أمثال هنري برجسون الفيلسوف الشهير، وبيير جانيت الباحث في علم النفس، وكان من أكثر أساتذة المدرسة تأثيرا فيه فوستل دي كولانج مؤلف كتاب (المدينة القديمة) والذي أصبح بعد ذلك مديرا للمدرسة.(1)
وبعد تخرجه من هذه المدرسة سنة 1882م اشتغل دوركايم بالتدريس في المدارس الثانوية حتى سنة 1887م، ثم أتيح له أن يذهب إلى ألمانيا في إجازة علمية، وهناك تعرف على فكر (فاجنر) و(شمولر) و(فونت) وتأثر بهم وانعكس هذا على موقفه الفلسفي، سواء من الفكر أو من الواقع،(2) هذا بالطبع بجانب تأثره البالغ بفلاسفة عصر التنوير من أمثال (جان جاك روسو) ومرنتسكيو، كما تأثر بالطبع بفكر (سان سيمون) الذي عده دركايم أستاذه في علم الاجتماع.
وأما عن أبرز الملامح البنائية للمجتمع الذي عاش فيه، فمع أن فرنسا كانت تنؤ في أوائل ومنتصف القرن التاسع عشر بالثورات، إلا أن المسرح السياسي في تسعينات هذا القرن عايش هدوءا نسبيا. وأما عن مجتمعه الذي قضى فيه سنوات الطفولة والتنشئة الاجتماعية الأولى، فقد كان مجتمعا يهوديا محافظا ومتضامنا تسوده علاقات مباشرة، ومع أنه انتقل إلى العاصمة (باريس) حيث المجتمع المتباين فلم ينس ارتباطاته الأولى حتى أن يخيل للمرء أن تصوره للمجتمع لم يخرج عن هذين النمطين، مجتمع الطفولة البسيط، ومجتمع العاصمة المعقد، كما اتضح من تصوراته للتضامن الآلي والتضامن العضوي. على أن فهمنا لتصوره لدور علم الاجتماع يقتضي تفحص علاقته بالفكر الاشتراكي. حيث بدأ ... يهتم ومبكرا بهذا الفكر، سواء ما قدمه (سان سيمون) أو (ماركس). ففي الوقت الذي كان يطلع فيه على أنماط هذا الفكر، بدأ يخط التصور الأول لدراسته الشهيرة حول (تقسيم العمل)، وكانت النتيجة أن صاغ أفكارا ونظريات متأثرة حينا بالمقولات الاجتماعية للاشتراكية ومناهضة لها أحيانا أخرى ولكن تصوراته كانت تؤكد التضامن الاجتماعي بدلا من الصراع الاجتماعي.(3)
عن علم الاجتماع.
1. أشار (دوركايم) أكثر من مرة إلى ما أطلق عليه (الفروع الخاصة) لعلم الاجتماع وكان يحبذ صراحة ازدهار هذه الفروع ونموها على نطاق واسع. وقال في هذا: إن علم الاجتماع لا يستطيع أن يصبح علما إلا إذا تخلى عن دعواه الأولى في الدراسة الشاملة للواقع الاجتماعي برمته، وإلا إذا ميز بين مزيد من الأجزاء والعناصر، والجوانب التي يمكن أن تتخذ موضوعات لمشكلات محددة.
وقد أيد دوركايم البدء في علم الاجتماع بالمرحلة التي أسماها (كونت) مرحلة التخصص. وقبل دوركايم صراحة فكرة أن علم الاجتماع يجب أن يختص بطائفة واسعة من النظم والعمليات الاجتماعية. وكتب على سبيل المثال في كتابه (قواعد المنهج في علم الاجتماع) أن علم الاجتماع – شأنه شأن الكثير من العلوم الاجتماعية – له من الفروع بقدر التنوعات الموجودة في الظاهرات الاجتماعية. ومع هذا الإلحاح في التقسيمات الفرعية للعلم، كان يصف علم الاجتماع بأنه (علم دراسة المجتمعات).(1)
2. نسجت الفلسفة الوضعية التي عبر عنها (كونت) عن تصوره لعلم الاجتماع خيوط فكر دوركايم، ويتبدى هذا بوضوح في تأكيده على ضرورة تناول الظاهرات الاجتماعية كأشياء، وهو التأكيد الذي يعني صراحة أو ضمنا محاكاة العلوم الطبيعية وتطبيق نظرتها وتصوراتها للظاهرات الطبيعية على الظاهرات المجتمعية.(2) ويتأكد هذا التوجه لدى (دوركايم) من أخذه بالفكر العضوي الذي أقام مماثلة بين الظاهرة الاجتماعية، والظاهرة البيولوجية. وفي هذا يقرر (رادكليف براون) أحد مؤسسي الاتجاه الوظيفي في علم الاجتماع، أن دوركايم هو أول من أقام المماثلة بين المجتمع والحياة العضوية على أساس وظيفي. فكما أن حياة الكائن العضوي تعبير عن البناء العضوي ووظائفه. فإن الحياة الاجتماعية تعبير وظيفي عن البناء الاجتماعي.(3)
3. من بين أهم ما اهتم به (دوركايم) محاولته تحديد الظاهرة الاجتماعية وتشخيصها، بوصفها الموضوع الأساسي لعلم الاجتماع. وفي هذا حدد لها من الخصائص التي يفيد التركيز فيها في معرفة موقفه من المسألة السوسيولوجية والمسألة المجتمعية فالظاهرة الاجتماعية أولا تلقائية بمعنى أن الفرد ليس بصانعها لأنها موجودة قبل أن يوجد الأفراد. فنحن نولد ونجد أمامنا مجتمعا كاملا معدا من قبل لا نستطيع أن نغيره إذا أردنا، وعلينا أن نخضع له. وهي ثانيا جبرية وملزمة فليس الفرد حرا في إتباع النظام الاجتماعي أو الخروج عليه .. فالمجتمع وضع الجزاء لكل من ينحرف بسلوكه عما اقتضته الحياة الاجتماعية ونظر المجتمع الذي يعيش فيه. وهي ثالثا عامة بمعنى أنها لا توجد في مكان دون آخر. ورابعا فالظاهرة الاجتماعية وهي ثالثا عامة بمعنى أنها لا توجد في مكان دون أخر. ورابعا فالظاهرة الاجتماعية خارجية بمعنى أن لها سابقة على الأفراد ومستقلة عنهم، بحيث يمكن ملاحظتها منفصلة عن الحياة الفردية، بما يمكن من دراستها موضوعية على أنها أشياء.(4)
4. فيما يتعلق بتطور المجتمع عنده يذكر نصا في كتابه (قواعد المنهج) – الذي يعد تلخيصا للكثير من تصوراته لعلم الاجتماع، وللمجتمع – يذكر أن العامل الفعال الوحيد الذي يؤثر في المجتمع هو البيئة الاجتماعية بمعنى الكلمة ونعني بها البيئة الإنسانية. وحينئذ فيجب على عالم الاجتماع أن يبذل مجهوده الرئيسي في الكشف عن مختلف خواص هذه البيئة الإنسانية التي تستطيع التأثير في تطور الظاهرات الاجتماعية. ولقد اهتدينا حتى الآن إلى نوعين من الخواص التي يتحقق فيها الشرط السابق بصفة شديدة الوضوح. أما النوع الأول فهو (عدد الوحدات الاجتماعية ) أو ما سبق أن أطلقنا عليه اسم حجم المجتمع. وأما النوع الثاني فهو درجة تركز (الكتلة الاجتماعية) أو ما سبق أن أطلقنا عليه اسم (الكثافة الديناميكية). ويجب ألا يفهم هذا المصطلح الأخير على أنه يعبر فحسب عن درجة التركز المادي التي لا تؤثر تأثيرا واضحا مادامت هناك بعض الفجوات الروحية التي تفصل بين الأفراد، أو تفصل بالأحرى بين مجموعات الأفراد، بل يجب أن يفهم هذا المصطلح أيضا على أنه يعبر عن الصلات الروحية الوثيقة التي لا يعد التركيز المادي إلا تابعا لها، أو بصفة عامة إحدى نتائجها .. وبهذا يمكن تحديد الكثافة بعدد الأفراد الذين يعيشون حياة مشتركة إلى جانب ما يتبادلونه من خدمات وما يوجد بينهم من تنافس وليس من الممكن أن تتأثر الحياة الاجتماعية إلا بعدد الأفراد الذين يشتركون اشتراكا فعليا في هذه الحياة. ولهذا السبب كانت درجة الالتئام بين الأجزاء الاجتماعية التي يتكون منها أي شعب من الشعوب هي خير وسيلة تعبر عن كثافته الديناميكية .. والحالة التي توجد عليها هذه البيئة – في كل لحظة تخضع هي نفسها لبعض الأسباب الاجتماعية، وهذه الأسباب على نوعين: فمنها ما هو جزء لا يتجزأ من بقية المجتمع، ومنها ما يرجع إلى التأثير المتبادل بين هذا المجتمع وبين المجتمعات الني تجاوره.(1)
والمدقق في هذا النص يستطيع أن يتبين أولا أن كثافة المجتمع، وتقسيم العمل والاتصال بمجتمعات أخرى عوامل بارزة في التطور والتغير الاجتماعي .. ويستطيع أن يتبين ثانيا أنه يعتبر الواقع المادي الموضوعي – ليس فقط الواقع الاقتصادي – تابعا للأفكار والتصورات، أو بصفة عامة لمظاهر الوعي الجمعي المتمثل في وجود قيم مشتركة بين الأفراد.(2)
5. يمثل كتابه تقسيم العمل الاجتماعي أهمية كبرى في التعرف على الفكر الدوركايمي، لأنه كان موضوع أطروحته للحصول على الدكتوراه، ولأنه العمل الرئيسي الذي قد يلي (قواعد المنهج) في الأهمية، من وجهة نظر دارسي نظرية علم الاجتماع، لأنه من خلال قضاياه وأفكاره يبين لنا تأثره الواضح بفكر (أوجيست كونت) بل وبالمماثلات البيولوجية التي عقدها صراحة وضمنا مع المجتمع الإنساني. وإذا أردنا اختصار الوقت والصفحات لعرض الفكرة المحورية لهذا الكتاب فلن نجد خيرا من (ريمون آرون) عالم الاجتماع الفرنسي الذي ألم بكتابات (دوركايم) سياقا ولغة وتحليلا. يذهب (ريمون آرون) في كتاب (التيارات الأساسية في الفكر السوسيولوجي) إلى أن الفكرة الأساسية التي يقوم عليها كتاب (تقسيم العمل) تتركز في التصور الدوركايمي لتحديد العلاقة بين الفرد والمجموع. ويعرض (آرون) المسألة من خلال التساؤل التالي: كيف يقيم جمع من الأفراد مجتمعا؟ وكيف ينجزون الشرط الضروري – الوعي – لوجودهم الاجتماعي؟ لكي يجيب دوركايم على هذا السؤال أقام تمييزا واضحا بين نمطين من التضامن: التضامن الآلي والتضامن العضوي. تتحدد أهم خصائص مجتمع التضامن الآلي بضيق الاختلاف والفوارق بين الأفراد وانحسارها إلى أقل درجة ممكنة. فالأفراد في هذا المجتمع متشابهون، لهم نفس المشاعر والأحاسيس، ويتمسكون بنفس القيم ويتفقون على نفس الأشياء المقدسة. وبعبارة موجزة أفراد هذا الجمع متجانسون لأنهم لم يتباينوا ولم يتغيروا بعد. وعلى النقيض من هذا النمط يكون التضامن العضوي، الذي يأتي تضامن الأفراد وتماسكهم فيه نتاجا لتباينهم، وتعبيرا عن هذا التباين في الوقت نفسه. ولأن الأفراد يتغايرون ويتبادلون فهم يتفقون ويحدث بينهم الالتقاء. وهنا يطرح (آرون) التساؤل التالي: لماذا عن لـ (دوركايم) أن ينطلق على التضامن القائم على التباين تضامنا عضويا؟ هنا تدخل المسألة البيولوجية للتبرير والتوضيح. فمكونات الكائن الحي لا تتشابه، أليس المسألة البيولوجية للتبرير والتوضيح. فمكونات الكائن الحي لا تتشابه، أليس العقل مختلفا عن القلب وعن الرئتين؟ بلى، فهذه الأعضاء متغايرة لكنها ضرورية ولا غنى عنها للجسم بالتساوي، فكل يؤدي وظيفته.(3)
ولكن ما الذي ينقل المجتمع من الحالة الآلية إلى العضوية؟ يحدد (دوركايم) هذا كما هو مبين في الفقرة السابقة مباشرة في الكثافة الاجتماعية، والتقسيم الاجتماعي للعمل، وأنماط الاتصال التي تيسر التلاحم بين الأفراد وبالتالي الاتفاق والاشتراك القيميين وبين البيئة الاجتماعية وما يحيط بها من عوالم.
6. تتلخص الأبعاد المنهجية لبحثه للظاهرات الاجتماعية في ضرورة دراسة هذه الظاهرات كأشياء، وتحرر الباحث من كل فكرة يعرفها عن الظاهرة موضوع دراسته. وأما عن أساليبه البحثية فتتمثل في الملاحظة والمقارنة، وتتبع تطور الظاهرة، وتفسيرها تفسيرا وظيفيا من خلال إنجازاتها وأدوارها في السياق البنائي الكلي.(4)
7. وأخيرا يتحدد المسعى العلمي لديه في الكشف عن القوانين التي تحكم الظاهرات الاجتماعية، وذلك لهدف مجتمعي هو علاج المشكلات الاجتماعية، حتى نصل بالمجتمع إلى التضامن الاجتماعي المنشود وتقسيم العمل الوظيفي الفعال. فكأن الغايات العلمية الأقرب إلى البرجماتية هي المخرج النهائي ( ولا يستحق علم الاجتماع لحظة عناء واحدة إن لم تكن له فوائد علمية)،(5)لكنها فوائد تسير صوب تدعيم الأوضاع القائمة.

موقف الرجل من الظروف.
نظرا إلى (دوركايم) مرة على أنه مؤسس علم الاجتماع الحديث ومرة على أنه الممهد لنقل النظرية السوسيولوجية الغربية من وضعية (كونت) إلى أعتاب الوظيفية، وهام به كثير من المنشغلين بعلم الاجتماع في الوطن العربي، إما بسبب أن الإنتاج الأول على الفكر السوسيولوجي الغربي كان موجها نحو الفكر الفرنسي، وإما بسبب تجدد الفكر الفرنسي وتمايزه وحرية حركته النسبية، وإما بسبب أنه من أوائل من ارتبطوا بالعمل الأكاديمي، وإما لهذه الأسباب كلها، وقد يحلو للبعض أن يضيف إلى هذه أسباب أخرى. لكن الهيام به دام واتصل لفترات طوال حتى إنه أعدت أطروحات للدكتوراه في بعض الجامعات العربية، في سبعينات القرن الراهن، كان كل اهتمامها عرض أفكاره ومناقشتها نقاشا كان أقرب إلى الإعجاب و التعاطف منه إلى التحليل التقدي المنهجي. ولكي يتم لنا تقويم عمل الرجل، وتوضيح موقفه من الظروف التي أحاطت به، يمكن طرح بعض التساؤلات التي تفيد على هذا الطريق:
1. ما الدور المميز الذي قام به من أجل تطوير علم الاجتماع مفهوما وموضوعا ووظائف؟
2. ما الجديد الذي وافانا بيه الرجل، والذي يساعدنا عل وضعه في مكانه الصحيح؟ يميزه عن السابقين عليه في الوقت نفسه؟
3. ما الموقع الاجتماع الذي نظر من خلاله إلى الواقع الاجتماع الذي أحاط به والذي يساعدنا على توضيح من أجل من كان علم الاجتماع لدى دوركايم؟ ولو أدرنا تقديم إجابة سريعة وموجزة على هذه الأسئلة، وبالاستناد إلى العرض السابق لأفكاره، وغيرها من ألأفكار التي لم يسمح المقام بعرضها لأمكن رصد الملاحظات التالية:

1. الأمور الوارد والمتفق عليه أن دوركايم بذل جهدا واضحا لتحديد علم الاجتماع، والتأكيد على طابعه النوعي الذي يميزه عن العلوم الطبيعية من جانب، وعن علم النفس من جانب آخر. وفي سبيل هذا اهتم بتحديد خصائص الظاهرة الاجتماعية بصرف النظر عن اتفاقنا على مصداقية هذه الخصائص – بوصفها المقولة السوسيولوجية الأساسية أو الموضوع الأساسي للبحث السوسيولوجي. وفي هذا حاول أن يبرهن على أن للظاهرة الاجتماعية طبيعة خاصة، تميزها عن غيرها من الظاهرات البيولوجية والسيكولوجية. ومع أهمية هذا الجانب إلا أنه يلاحظ تماديه في مسألة الخصوصية التي جعلته متباينة متغايرة بين مجتمع وآخر، وبين جماعة وأخرى، مما يقف عقبة أمام إمكانية القيام بتعليمات علمية، أو صوغ قوانين ترصد حركة التطور الاجتماعي. ومن الشواهد على هذا التمادي إشارته إلى أن (الانتحار) ظاهرة فردية ترجع إلى الفروق الفردية للأفراد، وهي ليست فروقا سيكولوجية، وإنما ترجع إلى بعض الخصائص الاجتماعية لكل فرد من الأفراد حسب الظروف التي يعيش فيها، في الأسرة والمهنة وما إلى ذلك، والتي تنعكس على وعيه الفردي وتحدده، وبالتالي يؤثر هذا الوعي في سلوكه وفي قيمه وفي مواقفه، بل وفي واقعه. وبإيجاز يؤثر الوعي في واقع الناس وتصرفاتهم.(2)
2. بجانب إبرازه للطابع النوعي للظاهرة الاجتماعية، فقد ركز على ضرورة تفسير هذه الظاهرات بظاهرات من نفس طبيعتها، أي تفسير ما هو اجتماعي بما هو اجتماعي، وليس بما هو حيوي أو نفسي كما فعل البعض، لكن أي التغيرات أو العوامل أكثر أهمية من غيرها؟ هنا نجده كشأن الوظيفيين الذين أتوا بعده وحاكوه كثيرا أو قليلا يرى أن كل أبعاد الواقع هامة وبالتساوي في تأثريها على غيرها من الأبعاد، بمعنى أن أي شيء في المجتمع يفسر بكل شيء في المجتمع. وأما عن موجهات التفسير فهي تبدأ بمخرجات الظاهرة أي بوظائفها فوظائف أي نظام وليكن الأسرة تعد مؤشرات عليه ومفسرات في نفس الوقت، وهو ما يسمى بالتفسير الغائي الذي يربط بين الشيء وغاياته وهو تفسير لا يحدد استراتيجيات العوامل الأساسية والوسيطة والتابعة وبالتالي لا يحدد العوامل الهامة وإن كان يستنتج أن الوعي الأخلاقي والنسق المعياري له السطوة الأولى في التفسير فكل جزء يرد إلى الوعي الكلي.
3. لا يخفي على كثير من قراء أعمال (دوركايم) أنه وقع في أكثر من تناقض وأكثر من إشكال. ففي الوقت الذي طالب فيه بدراسة الظاهرات الاجتماعية كأشياء أنكر أهمية الجوانب المادية الاقتصادية فيها، وفي الوقت الذي طالب بإبعاد التفسيرات البيولوجية والنفسية عن الحقل السوسيولوجي، نجده كثيرا ما كان يعقد مماثلات بيولوجية بين الظاهرة المجتمعية والظاهرة الحيوية، كما أوضح ذلك (رادكليف بروان). وفي الوقت الذي نادى فيه بضرورة إبعاد الفلسفة عن علم الاجتماع، نجده هام بالفلسفة الوضعية التي جعلته يتأرجح بينها وبين التصورات المثالية بتركيزه على قضايا الوعي بوصفها المحدد الأساسي للواقع الاجتماعي. وفي الوقت الذي أراد أن يؤكد فيه أهمية البيئة الاجتماعية بشموليتها في تفسير الظاهرات الاجتماعية، تخلى عن الدراسة البنائية الشاملة، ورحب بأهمية تخصص فروع علم الاجتماع. ومع أن نفرا قد يرى في هذا منحى عليما نحو التخصص وتقسيم العمل، فقد أفضى تقسيم علم الاجتماع إلى فروع، وفروع للفروع إلى النزعة التجزيئية التي شاعت لدى الكثيرين، خاصة لدى حرفيي علم الاجتماع الأميركي، فدراسة الأجزاء كل على حدة وبالقطعة تشوه وتزيف الواقع البنائي الكلي. وهذا مطلوب لحفاظ على السياق البنائي القائم.
4. إذا دققنا في كثير من نسيج ذكره نجده ترك الكثير من التساؤلات بلا إجابات، الأمر الذي أثر على إجابته الكبرى على المسألة السوسيولوجية برمتها. فعندما أشار إلى أسبقية المجتمع على الفرد كان معنيا بحالة وجودية راهنة وماثلة أمامه، لكنه لم يحدد كيف نشأ المجتمع، وما الذي جعل الناس يجتمعون لينظموا حياتهم الاجتماعية؟ وعندما أشار إلى أن التضامن العضوي يقوم على تباين الأفراد وتغايرهم، بعد أن كانوا آلة واحدة في التضامن الآلي، لم يكفي أن نقول بأن زيادة السكان والاتصال الجمعي هما السبب، فكم من مجتمعات متخلفة وأولية زادت كثافتها السكانية، كالقرى في إفريقيا مثلا، ومع هذا لم تصل إلى التضامن العضوية الذي تكلم عنه.
5. وأما عن وظائف علم الاجتماع فقد أرادها علمية على الطريقة الوضعية وعلمية على الطريقة البرجماتية والنفعية، وقد بالغ في كلا الأمرين. فمبالغته في دراسة الظاهرات كأشياء من خارجها جعلته لا يسبر غور طابعها الكيفي، وبالتالي أتى علم الاجتماع متطابقا مع الواقع بادئا به ومنتهيا إليه، كشأن أصحاب النزعة التجريبية الذين يرون في التجريب في العلم الإنساني وسيلة لمزيد من التجريب. وأما عن طريقته البرجماتية التي حصرها في دراسة ما هو مفيد فقط، فقد جعلته أسير الطبقة الوسطى ومصالحها، وما يفيدها، وجعلته بتغافل كثيرا من ظاهرات التغيير والثورة والصراع. وهنا يذكرنا (ريمون آرون) بأنه ليس واثقا من أن كتابات (دوركايم) تقربنا من حل المشاكل الجماعية لأنه أغفل كثيرا من المشاكل والأبعاد الجماعية.(1)
6. وإذا أتينا إلى موقفه من (المسألة الاجتماعية) وباعتبار هذا الموقف تلخيصا لتصوره للإنسان والمجتمع يمكننا أن نلاحظ:
أ‌- أنه عد الإنسان الفرد تابعا خاضعا للمجتمع، وهذه نقطة لو حسبت لكان من الأولى أن تحسب لابن خلدون، لا لدوركايم. لكن المهم في أمر دوركايم أن المجتمع الذي يعنيه ليس المجتمع بكل جماعاته وفئاته، وإنما الوعي الجمعي السائد وحده بغض النظر عما إذا كان وعيا حقيقيا أو زائفا، طبقيا أو مجتمعيا، آنيا أو مستقبليا. أنه ليخيل للمرء أن إنسان في صورة التضامن الآلي إنسان بلا وعي وبلا عقل وبلا إرادة، ولم يحقق هذا إلا عندما وصل إلى المجتمع القائم على التضامن العضوي. وقد تكون هذه الصورة هي صورة (باريس) في زمانه أو المجتمع الأوربي الذي تعني خصائصه نموذجا يجب أن يراعى ويحاكى. وقد ساعدت هذه الأفكار فيما بعد –بجانب أخريات بالطبع – على جعل النموذج الغربي الرأسمالي العبرة والمثل لمن يريد أن يصير إنسانا.
ب‌- تسير كتاباته المتنوعة في مسار تأكيد ضرورة انصياع الإنسان لما هو قائم وما هو محيط. فالظاهرة الاجتماعية إجبارية وإلزامية، على المرء أن يتلاءم معها وينصاع لها، ومن هنا تلعب قضية الضبط الأخلاقي والتنشئة الأخلاقية لديه دورا بارزا. خذ مثلا تصوره للاشتراكية، كحل للمسألة الاجتماعية ستراه يحصرها في التنظيم الاجتماعي والتنشئة والضبط الأخلاقيين. فجوهر الاشتراكية لديه ليس في الملكية، وليس في دولة الرفاه وإنما جوهرها دمج الفرد في المجموع من خلال سلطة أخلاقية. لقد كتب أنه لا يوافق على العنف، ورفض ملاحظة الصراع، واعتبره مجرد مظهر للأنومي ومن ثم يجب ألا ينظر للصراع كقوة محركة، أو دافعة نحو التغيير وإنما الأنومي يقصد به دوركايم اختلال المعايير وتفككا أو اضطرابها وهو ما عبر عنه بالفراغ الأخلاقي، الذي يفضي إلى البلبلة وضعف الانتماء الاجتماعي. يجب فقط ضبطه وإصلاحه.
تعقيب.
لقد تثمل جهد دوركايم في محاولته المنهجية وإبرازه بعض الخصائص النوعية للظاهرة الاجتماعية. أما مخرج دراساته وآرائه فيعوزه الكثير من الصدق العلمي. فما عده عاما (كتقسيم العمل) عده آخرون من أمثال (ريمون آرون) ثانويا وسطحيا، لأنه لم يفسر لماذا يحدث تقسيم العمل.
لقد حاول دوركايم أن يصنع شيئا، وأن يفهم المجتمع، لكنه لم يكن أصيلا في مسعاه: فقد أخذ من سان سيمون، وأوجست كونت، وحاكى ماركس. و‘ليك الأدلة التي تدعم الرأي القائل إن أهم ما يراه البعض أنه من إبداعاته، كان ردود أفعال متفاوتة في الدقة والإتقان في المحاكاة والتأليف:
أ‌- يؤكد (رادكليف براون) أنه أول من دعم استخدم المماثلة البيولوجية في علم الاجتماع، وبالتالي أجهض محاولته لإبراز الطابع النوعي لعلم الاجتماع.
ب‌- يوضح كليفورد فوجان وزميلاه سكوتفورد ونورثون من خلال تحليلهما ومتابعتهما لأعمال دوركايم أنه أراد أن يبدأ وضعيا بدراسة الظاهرات الاجتماعية كأشياء، وبالتركيز على أبعادها الخارجية، القابلة للملاحظة، لكنه في مسلكه سقط في المثالية لأنه علق كل شيء تقريبا على (التصورات الجمعية) والمشاعر والقيم المشتركة، ونظرا لصعوبة دراسة هذه الأبعاد وضعيا كأشياء فقد استبدل التحليل السوسيولوجي بالتوجيه السيكولوجي الاستنباطي. قد كان في صراع بين إقدام وإحجام موزعين بين الوضعية، والوقوف ضد النزعة الفردية، وبالتالي عندما أراد إنكار (الفردية) أضحى مثاليا، وعندما أراد أن يحافظ على الوضعية أضحى سيكولوجيا مما جعله ينتهي إلى عكس ما بدأ، ويصل إلى ما هو مخالف لما أراده لعلم الاجتماع.
ج‌- يتفق ( رايت ميلز) و(ارفينج زايتلن) و(ألفن جولدنار) على التوالي على. تأثر دوركايم بماركس، خاصة فيما يتعلق بقضية الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي.
- فرايت ملز يرى أن (دوركايم) قرأ (ماركس) وأراد أن يثبت عكس ما وصل إليه بشأن أسبقية الوجود على الوعي.
- أما زايتلن فيرى أن (ماركس) كان شبحا ظل يحاكيه ويناوره كانت أتى بعده وفي مقدمتهم (دوركايم).
- وجولدنر، فيذهب إلى أن دوركايم أراد أن يخالف (ماركس) لكنه لم يستطع إلا أن يلتقي معه، ولو على هوامش الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي. فهو يرى أن وجود المجتمع سابق لوجود الفرد، والوعي الجمعي سابق للوعي الفردي، والوجود الاجتماعي ليس متحددا لديه بمتغيرات مستقلة أكثر أهمية من غيرها، إنما اعتبر كل المجتمع وجودا اجتماعيا، بمعنى أنه وسع من نطاق الوجود الاجتماعي ولم يحدده بالعلاقات الإنتاجية، كنقطة بدء مهمة. ويدلل (جولدنار) على التأثر الدوركايمي بالفكر الماركسي بإشارته إلى أن الأول كان واعيا بقوة لفكر الثاني، وكان ملاحظا لتطور الاشتراكية الأوربية، وترحك الصراع الذي أفضى إلى إضرابات ديكازيفيل سنة 1886م وهي السنة نفسها التي أنهى فيها دوركايم (مسودة) كتاب (تقسيم العمل الاجتماعي) وقد كانت هذه الظروف – بجانب قيم ومصالح غير معلنة – داعية لندائه بأفكار التضامن خوفا من الشقاق والتفكك في المجتمع الفرنسي.

تم تحرير الرسالة
 
منتديات حاسي بحبح » ┘───[القسم البيداغوجي و التربوي] » فهـــرس الأعـــلام » إميل دوركايم
  • صفحة 1 من%
  • 1
بحث:

إحصائيات المنتدى
المشاركات الحديثة المواضيع الأكثر شعبية أعلى المستخدمين الأعضاء الجدد
  • ملف خفيف لكتابة معلومات التلاميذ في واجهة ملفاتهم
  • تحليل ننتائج الفصل الثانيي
  • ملف اكسال لحالة التلاميذ اليومية
  • جداول لتحليل النتائج الفصلية انطلاقا من نتائج الرقمنة
  • القانون الداخلي
  • برنامج المساعد الوافي لتوجيه التلاميذ
  • OFFTOPIC : Books ....Books
  • لاتقلق فالامتحان سهل
  • A song for you: TWinkle,Twinkle Little Star
  • الفعل المبني للمعلوم والمبني للمجهول - ظواهر لغوية -
  • فارس [395]
  • محمد [269]
  • سامي [253]
  • عمر [196]
  • كمال [194]
  •  
  • mkouadri032
  • karomasayah1996
  • wecanteach
  • mohammedboussoukaia
  • djimohab
  • زار المنتدى اليوم
    .
    الموقع يتم التحكم به بواسطة uCoz